حكايات الجزائريين في منتخب فرنسا على صوت رشيد طه
في 12 يوليو 1998 ارتقى زين الدين زيدان صاحب الأصول الجزائرية مرتين فوق دفاع البرازيل ليرفع رأس فرنسا.
زيدان سجل مرتين في شباك تافاريل، ليرفع نجل المهاجر الجزائري الذي وُلد في فرنسا كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ الديوك.
في الخلفية، صوت عربي يشدو في باريس من مهاجر جزائري أخر، يغني لصديقه الذي يريد الهجرة وترك وطنه.
“يا الرَايح وين مسافر تروح تعيّا وتولي .. شحال ندمو العباد الغافلين قبلك وقبلي”.
واليوم، وفي ذكرى رحيل رشيد طه الرابعة، يعيد Egy24.com لكم نشر هذا التقرير.
احتشاد الآلاف من الفرنسيين في الشانزلزيه للاحتفال بكأس العالم، تزامن مع صدور ألبوم “ديوان” للمغني رشيد طه المهاجر الجزائري والذي تتصدره أغنية “يا رايح”.
نجاح الألبوم وانتشار الأغنية عالميا رغم أنها كانت باللهجة المغاربية، ألهب تلك الفترة الذهبية لموسيقى الراي في فرنسا.
الأغنية في الأصل تعود للفنان الجزائري دحمان الحراشي والتي كتبها لصديقه الذي كان يصر على الهجرة بحثا عن أحوال معيشية أفضل، ثم أعاد رشيد طه تقديمها عام 1993 قبل أن تصدر رسميا في ألبومه عام 1998.
—-
“شحال شفت البلدان العامرين والبر الخالي .. شحال ضيعت اوقات وشحال تزيد ما زال تخلي”
“يا الغايب في بلاد الناس شحال تعيَا ما تجري .. بـِك وعد القدرة ولّى زمان وأنت ما تدري”
قبل 40 سنة من رفع زيدان لكأس العالم، كان منتخب فرنسا يدخل مونديال 1954 في السويد ضمن المرشحين للقب ولكنه خسر من البرازيل 5-2 في نصف النهائي.. الخسارة الكبيرة لفرنسا حملها الإعلام للهروب الجزائري الكبير.
وقتها كان من المفترض أن يضم المنتخب الفرنسي 4 لاعبين جزائريين يشكلون مصدرا كبيرا لقوته هم رشيد مخلوفي نجم فريق سانت إيتيان ومصطفى زيتوني مدافع موناكو وزميله عبد العزيز بن تيفوز مهاجم موناكو، ومحمد معوش مهاجم ريمس.
إلا أن اللاعبين الجزائريين اختفوا قبل شهرين من موعد السفر إلى السويد ومعهم 30 لاعبا آخرين يلعبون في الدوري الفرنسي ليجتمعوا كلهم في تونس.
كانت الخطة من تدبير جبهة التحرير الوطني التي كانت تقود حربا في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي منذ نوفمبر 1954.
وأرادت قيادات الجبهة أن تشكل فريقا يمثل الجزائر وكلفت لاعبا معروفا في الدوري الفرنسي هو محمد بومزراق بجمع اللاعبين الجزائريين في فرنسا، وترحيلهم إلى تونس من أجل تشكيل منتخب جبهة التحرير.
—-
تكشف الصحافة الفرنسية أن مصطفى زيتوني لعب أخر مبارياته مع منتخب فرنسا في مارس 1958 ضد إسبانيا، ووقتها حرم الخارق ألفريدو دي ستيفانو من التسجيل في حضور سنتياجو برنابيو رئيس ريال مدريد في المدرجات.
وعقب المباراة، عرض برنابيو على اللاعب الجزائري الانضمام إلى ريال مدريد، ولكن زيتوني اعتذر.
اعتذار زيتوني كان بسبب تخطيطه للهرب من فرنسا إلى تونس للانضمام إلى منتخب جبهة التحرير.
ليس زيتوني فقط من كان ينتظره مستقبلا مشرقا في فرنسا، فرشيد مخلوفي صاحب الـ22 عاما وقتها كان قد فاز مع منتخب فرنسا العسكري بكأس العالم.
مخلوفي ظل يخدم الجزائر حتى بعد اعتزاله، وكان إنجازه الأكبر عندما كان ضمن الطاقم الفني الذي وصل بمحاربي الصحراء لأول مرة لكأس العالم في 1982.
وتحت قيادته في كأس العالم، لعب مصطفى دحلب صاحب المركز الخامس في ترتيب هدافي باريس سان جيرمان عبر العصور والذي فضل منتخب الجزائر على فرنسا.
على النقيض، اختار ويليام عياش تمثيل منتخب فرنسا رغم أنه ولد في الجزائر وكان الظهير الأيسر في التتويج بذهبية أوليمبياد 1984 ثم برونزية مونديال 1986.
—–
بعد كأس العالم فتح استاد برسي أرينا أبوابه لثلاثة من مطربي الراي هم رشيد طه والشب خالد والشب فضيل لإحياء حفل غنائي قدموا فيه أبرز أغانيهم وأغاني من التراث الجزائري.
وفي 1999، تم إصدار ألبوم للحفلة تحت اسم “1,2,3 soleils”، حقق مبيعات خيالية وصلت إلى مليون نسخة.
رغم أن عمر هجرة الجزائريين لفرنسا طويل إلا أن جميعهم ضلوا الطريق لمنتخبها قبل زيدان.
وبعد زيدان، فتحت فرنسا بابها لاستضافة المنتخب الجزائري لأول مرة في 6 أكتوبر 2001 بعد أقل من شهر على الهجمات التي استهدفت برج التجارة العالمي بنيويورك.
لم تكتمل المباراة بعدما اقتحمت الجماهير الجزائرية الملعب وألغاها الحكم مع الدقيقة 77، وتعالت أصوات بعض المشجعين الجزائريين بهتاف “أسامة.. أسامة”، في إشارة لأسامة بن لادن، مع سب لزيدان “Zidan Harki” وتعني بأن زيدان جندي جزائري خائن موالي لفرنسا، قبل نزول واقتحام الجمهور للملعب فأنهى الحكم المباراة في التو عند الدقيقة الـ76.
وقال زيدان بعدها إنها كانت اللحظة الأسوأ في مسيرته. ( اقرأ أكثر عنها )
لم يتحمل بعض الجزائريين أن يروا نجما من بلادهم يلعب في صفوف منتخب آخر كان محتلا لأرضهم.
—-
“علاش قلبك حزين وعلاش هاكذا كي الزاوالي .. ما تدوم الشدة وإلا بطيت أعلم وأكتب لي ما”
“يدوموا الأيام ولا يدوم صغرك وصغـرّي ياحليلو .. ومسكين اللي خاب سعدو كي زَهري”
في مقال نشرته صحيفة “الشروق” الجزائرية بعد نهائي كأس العالم 2018 ضد كرواتيا، قال كاتبه “صالح سعودي” إن الجزائريين شجعوا كرواتيا ضد فرنسا.
وأشار كاتب المقال إلى أن الجزائريين لايزالون يشعرون بالغضب بسبب حملة الانتقادات الفرنسية التي وجهت لزين الدين زيدان عقب طرده في نهائي مونديال 2006 رغم كل ما قدمه لهم. ( اقرأ المقال )
“وبصرف النظر عن تواد فئة مساندة للمنتخب الفرنسي تحت مبرر أولوية الجانب الفني على الشق العاطفي والخلفيات التاريخية، إلا أن الجزائريين كثيرا ما أدخلوا السياسة والتاريخ والاقتصاد في شؤون الرياضية، بدليل مواقفهم السابقة ضد المنتخب الفرنسي، حيث ساندوا في نهائي أورو 2016 منتخب البرتغال الذي توج باللقب الأوروبي على حساب الفرنسيين الذين بكوا مطولا بعد المباراة، كما أن تواجد زيدان كأفضل نجم في المنتخب الفرنسي نهاية التسعينيات ومطلع الألفية لم يمنعهم من التعبير عن ارتياحهم لخسارة منتخب “الديكة” لنهائي مونديال 2006 أمام إيطاليا، وازداد فرحهم بهذا الإخفاق خاصة بعد انقلاب الشارع والإعلام الفرنسي ضد زين الدين زيدان بسبب نطحته الشهيرة في النهائي، متناسين تضحيات “زيزو” طيلة فترة حمله لألوان المنتخب الفرنسي، وهو ما جعل الكثير من الجزائريين يصلون إلى قناعة بأن ذاكرة الفرنسيين ستظل قصيرة، في ظل تناسيهم وتجاهلهم لمساهمات اللاعبين من أصول جزائرية، وهو الأمر الذي يجعلهم يقتنعون بخيار مساندة كل منتخب يواجه المنتخب الفرنسي خاصة في المباريات الحاسمة”.
هذا أيضا كان رأي رشيد طه حتى لو لم يتحدث وقت نهائي 2018.
الاحتفاء بالمهاجرين وقت الانتصار فقط تحدث عنه رشيد طه في حوار مع صحيفة “إندبندنت” في 2004 قال فيه: “الأغاني التي أقدمها تأخذ طابعا سياسيا لأن الناس سئموا مما يحدث، فالتوتر بين الفرنسيين والمهاجرين لم يقل أبدا”.
“عندما تفوز فرنسا بمباراة كرة قدم الأمور تتحسن، وعندما تخسر يصبح الوضع أسوأ”.
“لا يوجد أشخاص من أصول عربية في الحكومة أو الأحزاب السياسية، وهذا ما يجعلني أميل أكثر للسياسة”.
—-
تاريخ المشاركات الجزائرية في منتخب فرنسا استمر، لكن هذا لم يمنع ما تحدث عنه رشيد طه وحكاه في أغنيته. كريم بنزيمة كان يرى أن العنصرية هي سبب ابتعاده عن الديوك في يورو 2016 ومونديال 2018 وليس أزمته مع زميله فالبوينا.
في نفس العام، كان رياض محرز الذي اختار تمثيل منتخب الجزائر على فرنسا والمغرب يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي بعدما قاد فريقه ليستر سيتي لتحقيق معجزة التتويج بالدوري.
محرز كان ضمن 16 لاعبا مثلوا الجزائر في مونديال 2014 وولدوا في فرنسا، و8 منهم لعبوا لمنتخبات الناشئين والشباب في فرنسا.
وبشكل عام، مثل منتخب الجزائر على مدار تاريخه 82 لاعبا ولدوا في فرنسا.
توجت فرنسا بالنسخة السابقة من كأس العالم للمرة الثانية في تاريخها بعد 20 عاما من رأسيتي زيدان.
87% من قوام المنتخب الفرنسي من أصول أجنبية، والجزائر حاضرة كذلك في كريم بنزيمة ومبابي.
والدة كيليان مبابي النجم الشاب الأبرز في قائمة الديوك جزائرية، وصانع الألعاب نبيل فقير أيضا من أصول جزائرية.
“يا مسافر نعطيك وصايتي أدّيها على بكري .. شوف ما يصلح بيك قبل ما تبيع وما تشري”
“يا النايم جاني خبرك كيما صرالك أصرالي .. هاكذا أراد وقدر في الجبين سبحان العالي”