كتب : محمود الهواري
01:15 م
03/12/2025
صباح السبت الماضي، وبينما كان المستخدمون يتصفحون حساباتهم على منصة “X” (تويتر سابقاً) كالمعتاد، أطلقت المنصة ميزة جديدة بدا تأثيرها بسيطًا في البداية، لكنها سرعان ما تحولت إلى زلزال داخل المنصة، مخلفة موجة من الصدمة والدهشة بين المستخدمين.
الميزة الجديدة كشفت عالما خفيا لم يكن أحد يراه؛ فالكثير من الحسابات التي كانت تبدو كأنها تدار من أشخاص محليين أو نشطاء حقيقيين تبين أنها تُدار من دول بعيدة، وبعضها لم يكن بشريا من الأساس، بل بوتات ذكاء اصطناعي تقلد اللهجات المحلية بدقة مذهلة.
ما هي ميزة X الجديدة؟
وجاءت الميزة الجديدة تحت اسم “حول هذا الحساب”، وتهدف، بحسب نيكيتا بير، رئيسة قسم المنتجات في المنصة، إلى تعزيز الشفافية وتمكين المستخدمين من التحقق من صحة المحتوى.
ولم تكتفي الميزة بعرض الموقع الذي يدونه المستخدم يدويا، بل أظهرت الموقع الحقيقي للجهاز الذي يُدار منه الحساب، وهو ما كشف حجم التلاعب والتأثير الأجنبي.
وأكدت بير أن هذه الخطوة بداية لضمان سلامة الساحة الرقمية عالميا، مع خطط لإطلاق أدوات تحقق إضافية، قبل أن يعبر بعض المستخدمين عن قلقهم، خاصة في الدول المقيدة لحرية التعبير، حيث قد يؤدي كشف الموقع الفعلي لعواقب سياسية.
وأشار مستخدمون إلى أن شبكات VPN قد تجعل بيانات الموقع غير دقيقة، وهو ما اكتشفته الشركة بالفعل قبل أن تحذف المنصة معلومات مواقع بعض الحسابات مؤقتا، موضحة أن البيانات كانت غير دقيقة خصوصا للحسابات القديمة، وأن الدقة ستصل إلى 99.99% بعد تحسين النظام.
الحسابات السياسية.. مفاجآت غير متوقعة
بعد تفعيل الميزة، بدأ المستخدمون بفحص حسابات منافسيهم السياسيين، إذ ظهرت مفاجآت بشأن الحسابات، أبرزها حساب “MAGA NATION” الذي يضم 400 ألف متابع وظهر أنه يدار من دولة خارج الاتحاد الأوروبي، بينما حساب “أمريكا أولا” الذي يضم 70 ألف متابع تبين أنه يدار من بنغلادش.
وتبين أن حسابا لمعجبي إيفانكا ترامب ينشر منشورات عن الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة يقع في نيجيريا، بينما حساب “MAGAStorm” الذي يروج لنظريات مؤامرة عن محاولة اغتيال ترامب يوجد في أوروبا الشرقية، فيما ظهر حساب “AmericanVoice” المعادي للإسلام أنه يدار من الهند.
وكتب موقع “TechCrunch”، المتخصص في التكنولوجيا في تقريره أن المكافآت على التفاعل تدفع المبدعين لنشر أي محتوى يثير نقاشا، بما في ذلك المنشورات المصممة لإثارة الغضب ودفع المستخدمين للرد، وهو ما أبرز أن الحسابات المزيفة والتضليل الإعلامي والجهود المنظمة لبث الفتنة موجودة منذ سنوات وأن الذكاء الاصطناعي زاد من تعقيدها وانتشارها.
كشف الحسابات المزيفة في المنطقة العربية
الميزة الجديدة للمنصة التي المملوكة للملياردير إيلون ماسك لم تكشف المخالفات في السياسة الأمريكية فقط، بل فضحت شبكة واسعة من الحسابات التي تهاجم دولا عربية منهما مصر، إذ تبين أن الحسابات التي تهاجم مصر تدار بشكل كبير من تركيا وبريطانيا والإمارات، بينما الحسابات التي تهاجم السعودية والإمارات تدار من الخارج أيضا.
وتبين أن حسابات تدعي أنها سورية وطنية تدار فعليا من إسطنبول، فيما حسابات خليجية مزيفة تدار من بريطانيا.
وبحسب البيانات، ظهرت العديد من الحسابات التي تهاجم العديد من الدول العربية تدار من إسرائيل، وتحديدا من الوحدة 8200 التابعة لجيش الاحتلال، المعروفة بقيادة حملات التأثير الإلكترونية في العالم العربي.
وكشفت الأداة الجديدة أن حسابات تحمل أسماء مثل “عمر” و”ريم” و”سعودي أصيل” و”مصري أصيل” لم تكن عربية أصلا، بل يديرها ضباط متخصصون في تحليل اللهجات وتزييف الهويات بهدف إثارة الفوضى والانقسامات.
ولم يقتصر الأمر إلى هذا الحد، بل كشفت الميزة الجديدة وجود آلاف الحسابات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على مدار الساعة لإيهام المستخدمين بأن الشعوب العربية مكروهة ومحصورة، حتى الولايات المتحدة لم تسلم، فالكثير من الحسابات التي تؤجج الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين تدار من روسيا والهند وبنغلادش وإسرائيل.
وبمجرد انتشار ميزة كشف الموقع، اختفت معظم هذه الحسابات خلال ساعة، ثم سارعت المنصة إلى تعطيل الميزة بالكامل.
وتشير تقارير صحفية إلى وجود موظفين سابقين في جيش الاحتلال داخل فرق الإشراف على المحتوى في X، ما يفسر الانحياز ضد المحتوى العربي والإسلامي.
حسابات تنتحل مأساة غزة
ولم يقتصر الأمر إلى شن الهجوم على الدول لإشعال الفتنة، بل كشفت الميزة أيضا استغلالا واسعا للحرب في غزة، إذ تبين أن حسابات تطلب تبرعات بزعم أنها من غزة تدار في الواقع من الهند ولندن وباكستان.
ومن الأمثلة، حساب باسم “Yasmine.muhamsd” تدعي أنها أم في غزة وتطلب مساعدات بينما موقع الحساب الحقيقي في الهند، وحساب آخر ينتحل شخصية أب فلسطيني “محمود سلمى” بينما الحساب الحقيقي للعائلة موجود في غزة، لتكشف الميزة منظومة تلاعب تستغل الكوارث الإنسانية لجمع التبرعات أو التأثير السياسي.
حرب نفسية إلكترونية
ما كشفته الميزة أوضح أن ما يحدث على المنصة ليس مجرد نقاشات طبيعية بين الشعوب، بل جزء من حرب نفسية منظمة تُدار عبر الإنترنت، إذ يقول الدكتور محمد مغربي، استشاري الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، إن هذه الهجمات هدفها تفكيك المجتمعات وإشعال الكراهية بين الشعوب العربية، مؤكدا أن جزءا كبيرا مما يراه المستخدمون على الشبكات ليس غضبا حقيقيا، بل مشروع متكامل للتحكم بالرأي العام وإحداث الصراعات.








