اقتصاد
السفير السعودي في القاهرة
تشكل العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية إحدى أكثر العلاقات رسوخًا واستقرارًا في المنطقة العربية، ليس فقط بسبب الروابط التاريخية والدينية والثقافية، بل نتيجة المصالح الإستراتيجية التي تجمع البلدين في ملفات الأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية ومستقبل المنطقة ككل. وعلى مدار العقود الماضية، تطورت هذه العلاقات من شراكة سياسية تقليدية إلى تعاون إستراتيجي شامل يزداد قوة واتساعًا عامًا بعد آخر، مدعومًا بإرادة سياسية واضحة لدى قيادتي البلدين.
وترتبط القاهرة والرياض بعلاقات دبلوماسية ممتدة منذ ما يقرب من مئة عام، شهدت خلالها المنطقة تقلبات كبرى، إلا أن البلدين حافظا على مستوى ثابت من التنسيق والتعاون. ويعد هذا الثبات أحد أبرز عناصر القوة في العلاقة، حيث تتقاطع رؤى البلدين في دعم استقرار الشرق الأوسط، ومواجهة التحديات ذات الطبيعة العابرة للحدود، بما يشمل مكافحة الإرهاب، وتأمين الملاحة الدولية، والتصدي للتدخلات الخارجية.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية خلال العقد الأخير قفزة كبرى، ما جعل المملكة واحدة من أهم الشركاء التجاريين لمصر، والعكس صحيح.
فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل خلال السنوات الأخيرة إلى ما يتراوح بين 12 و14 مليار دولار سنويًا، مع نمو مستمر في تدفقات السلع الغذائية والدوائية والبتروكيماوية ومواد البناء.
أما من حيث الاستثمارات المباشرة، فتُعد المملكة أكبر مستثمر عربي في مصر. وتشير تقديرات رسمية حديثة إلى أن إجمالي الاستثمارات السعودية القائمة في السوق المصري تجاوز 34 مليار دولار، موزعة على أكثر من 800 شركة تعمل في قطاعات الطاقة، والصناعة، والعقارات، والسياحة، والزراعة، والخدمات اللوجستية.
وفي المقابل، تشهد السوق السعودية حضورًا متزايدًا للشركات المصرية، حيث يعمل ما يزيد على 6،000 شركة مصرية باستثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار، خصوصًا في قطاعي المقاولات والصناعات الغذائية، إضافة إلى توسع ملحوظ في خدمات التقنية والشركات الصغيرة والمتوسطة.
وخلال الثلاث سنوات الأخيرة، دخلت العلاقات الاقتصادية مرحلة أكثر تقدمًا مع توقيع عدد من الاتفاقيات التي استهدفت: تسهيل انتقال الاستثمارات عبر حماية شاملة لرأس المال الأجنبي وتعزيز التعاون الصناعي في قطاعات الحديد والبتروكيماويات والأدوية وإطلاق برامج تمويل مشتركة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوسيع التعاون في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتشكّل هذه الاتفاقيات أساسًا لمرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي يمكن أن تجعل البلدين أحد أهم محاور التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقد القادم.
وساهمت الاستثمارات السعودية في مصر في دعم مشروعات استراتيجية كبرى، مثل تطوير قطاعات السياحة والفنادق في الساحل الشمالي والبحر الأحمر وضخ استثمارات في المناطق الاقتصادية اللوجستية بالقرب من قناة السويس وتوسع الاستثمارات في قطاع الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة.
وفي الجانب الآخر، تلعب الشركات المصرية دورًا بارزًا في مشروعات البنية التحتية والتنمية العمرانية في السعودية، خاصة مع الطفرة الضخمة في المشاريع العملاقة ضمن رؤية المملكة 2030، ومنها مشاريع البحر الأحمر، والقدية، ونيوم.
العلاقات الاقتصادية انعكست أيضًا على حركة الأفراد، إذ تستضيف السعودية جالية مصرية تُعد الأكبر عربيًا، تتجاوز 2.5 مليون مصري. وقد أسهمت هذه الجالية في تحريك النمو الاقتصادي داخل المملكة والمساهمة في تحويلات سنوية تُقدّر بمليارات الدولارات، تدعم الاقتصاد المصري بصورة مباشرة.
وفي المقابل، تستقبل مصر سنويًا أعدادًا متزايدة من السعوديين بغرض السياحة والعلاج والتعليم، حيث تجاوز عدد الزائرين السعوديين لمصر في السنوات الأخيرة نصف مليون زائر سنويًا، مما يعزز التفاعل الشعبي ويعمّق الروابط الثقافية بين البلدين.
ولم يكن التعاون السياسي أقل قوة من التعاون الاقتصادي. فالسعودية ومصر تتفقان في معظم الملفات الإقليمية بدءًا من أمن البحر الأحمر والخليج العربي، وصولًا إلى دعم الاستقرار في السودان واليمن ولبنان.
ويظهر هذا التوافق بوضوح في: تنسيق مستمر بين وزيري الخارجية في القضايا العربية والإقليمية واجتماعات دورية بين الأجهزة الأمنية لتبادل المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومواقف متوازنة في المحافل الدولية تعكس رؤية موحدة للسلام الإقليمي.
ويعتمد هذا التنسيق على إدراك البلدين أن أمنهما القومي مترابط، وأن أي تهديد لأحدهما يمثل تهديدًا مباشرًا للآخر.
وتتمتع العلاقات بين الشعبين المصري والسعودي بعمق إنساني راسخ. فمع التعليم، والعمل، والسياحة، والعلاقات العائلية الممتدة، تشكّل الروابط الاجتماعية عنصرًا مهمًا في تماسك العلاقة الرسمية.
كما تنشط المؤسسات الثقافية في البلدين في تنظيم فعاليات مشتركة تشمل: أسابيع ثقافية وفنية وبرامج تبادل أكاديمي بين الجامعات ودعم للبحث العلمي والابتكار.
وتسهم هذه الأنشطة في ترسيخ الوعي المشترك وتعزيز الهوية العربية.
وتتجه العلاقات المصرية–السعودية إلى مرحلة أكثر عمقًا تستند إلى رؤية طويلة المدى تشمل:
زيادة حجم التجارة إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا خلال خمس سنوات ومضاعفة الاستثمارات السعودية في مصر عبر قطاعات الصناعة المتقدمة والطاقة الخضراء وتوسيع الشراكة في الأمن الغذائي عبر مشاريع زراعية كبرى ودعم مشروعات الربط الكهربائي واللوجستي بين البلدين.
هذه الخطوات المحتملة لا تجلب مكاسب ثنائية فحسب، بل تصنع أيضًا محور قوة واستقرار للمنطقة بأكملها، قادرًا على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والبيئية المعقدة في الشرق الأوسط.
إن تطور العلاقات بين مصر والسعودية ليس مجرد تطور في الأرقام أو الاتفاقيات، بل هو تعبير عن رؤية شاملة لبناء مستقبل عربي أكثر قوة واستقرارًا. فالشراكة بين البلدين تُعد نموذجًا للعلاقات التي تقوم على التوازن والاحترام المتبادل والشراكة الحقيقية. ومع استمرار التنسيق بين القيادتين والمجتمعين السياسي والاقتصادي، فإن هذه العلاقة مرشحة لمزيد من النمو، بما يحقق مصالح الشعبين ويدعم استقرار المنطقة بأكملها.
ويُعد سفير المملكة العربية السعودية لدى جمهورية مصر العربية، صالح بن عيد الحصيني، مثالًا بارزًا للدبلوماسية الفاعلة والقدرة على تعزيز العلاقات التاريخية بين المملكة ومصر. منذ توليه مهامه في القاهرة، عمل السفير الحصيني على ترسيخ قيم الصداقة والتعاون المشترك، متجاوزًا حدود البروتوكول الرسمي ليصبح حلقة وصل حقيقية بين الشعبين والحكومتين.
وتميزت فترة عمل السفير الحصيني بالعديد من المبادرات النوعية، سواء في المجال الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي. فقد ساهم في دعم الاستثمارات المشتركة وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، بما يعكس رؤية استراتيجية لتقوية الشراكات العربية وتعزيز المنفعة المشتركة.
وعلى المستوى الثقافي، أظهر السفير الحصيني حرصًا كبيرًا على تقوية الروابط بين الشعبين من خلال فعاليات تعليمية وثقافية ومبادرات تهدف إلى تعزيز التفاهم الاجتماعي والتبادل الثقافي بين المصريين والسعوديين. هذا النهج ساهم في توسيع دائرة التفاهم والتقارب بين المجتمعين، وترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل كما لعب السفير دورًا مهمًا في دعم التعاون السياسي بين الرياض والقاهرة، مؤكدًا على قيمة التنسيق المستمر في القضايا الإقليمية والدولية التي تهم العالمين العربي والإسلامي، وساعيًا لتعزيز الاستقرار وتحقيق السلام في المنطقة.
ويُعد السفير صالح بن عيد الحصيني شخصية دبلوماسية نموذجية، استطاعت بمبادراتها الحكيمة وحضورها المميز أن تعزز جسور الثقة بين المملكة ومصر، وتؤكد أن العلاقات بين البلدين ليست مجرد علاقات رسمية، بل شراكة استراتيجية عميقة قائمة على الأخوة والتعاون المستمر.








