قال الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي وممثل المجموعة العربية، إن المواطن سيبدأ في الشعور بـ«تحسن مستوى المعيشة، والإحساس بأي تحسن في دخولهم أو معاشاتهم» اعتبارًا من عام 2026، مشيرًا إلى أن هذه الفترة تمثل نهاية الإطار الزمني المتوقع لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.
معيط: العد التنازلي للإصلاح بدأ مع برنامج الصندوق مارس 2024
وأضاف معيط، خلال تصريحات تلفزيونية، أن العد التنازلي بدأ مع انطلاق برنامج صندوق النقد في مارس 2024، قائلًا: «الإصلاح ربما لا يقل عن عامين، أنا أتحدث عن عامين تقريبًا منذ بدء البرنامج في مارس 2024، أي أننا نتحدث عن مارس 2026».
وأوضح أن معاناة قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي والدوائي خلال الفترة الماضية جاءت نتيجة المشكلات التي واجهتها بسبب أزمة العملة الصعبة، والفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، مشيرًا إلى أن «هذه المعاناة انتقلت إلى المواطن في صورة تسعير السلع وإتاحتها، وأثرت سلبًا على مستوى معيشته».
وأشار إلى أن جميع برامج صندوق النقد الدولي مع الدول تهدف في الأساس إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي، من خلال تخفيض خدمة الدين، وتراجع معدلات التضخم، وتقليص أسعار الفائدة.
وأوضح الدكتور محمد معيط أن طبيعة العمل داخل صندوق النقد الدولي تختلف جذريًا عن العمل التنفيذي داخل الحكومة، مشيرًا إلى أن منصب «المدير التنفيذي» لا يقتصر على تمثيل سياسي أو دبلوماسي رمزي، بل ينطوي على مسؤوليات فنية ومهنية دقيقة، تشمل متابعة ملفات 12 دولة تمثلها المجموعة العربية داخل مجلس الإدارة.
وأوضح أن هذه الدول تتنوع أوضاعها الاقتصادية، فمنها من لديه برامج تمويل قائمة مع الصندوق، ومنها من يخضع لمراجعات دورية في إطار «المادة الرابعة»، إضافة إلى دول تمر بظروف استثنائية نتيجة أزمات سياسية أو اقتصادية أو صراعات ممتدة.
وأكد محمد معيط أن اختياره لتمثيل المجموعة العربية لم يكن قرارًا صادرًا عن إدارة الصندوق، بل جاء نتيجة توافق الدول الأعضاء التي يمثلها، بدعم رسمي من الدولة المصرية وجهد دبلوماسي مكثف، عكس ثقة الدول العربية في الكفاءة المصرية وقدرتها على الدفاع عن مصالحها داخل واحدة من أكثر المؤسسات المالية تأثيرًا في النظام الاقتصادي العالمي.
وتطرق الحوار إلى الصورة الذهنية السائدة عن صندوق النقد الدولي، والتي كثيرًا ما ترتبط في الوعي العام بإجراءات تقشفية قاسية وضغوط اقتصادية مباشرة على المواطنين.
محمد معيط يوضح الفرق بين صندوق النقد والبنك الدولي
وفي هذا السياق، شدد معيط على ضرورة التمييز بين دور صندوق النقد الدولي ودور البنك الدولي، موضحًا أن البنك الدولي يركز بالأساس على التمويل التنموي طويل الأجل، ودعم مشروعات التعليم والصحة والبنية التحتية، بينما يتدخل صندوق النقد الدولي في حالات الأزمات التمويلية الحادة، خاصة عندما تواجه الدول اختلالات خطيرة في ميزان المدفوعات ولا تتوافر لديها مصادر تمويل بديلة من الأسواق أو المؤسسات الأخرى.
وأوضح أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لا يُعد خيارًا مفضلًا أو دائمًا، بل استثناءً تفرضه ظروف اقتصادية ضاغطة، مشيرًا إلى أن برامج الصندوق تهدف في جوهرها إلى استعادة الاستقرار المالي والنقدي، من خلال خفض عجز الموازنة، والسيطرة على الدين العام، وضبط السياسات النقدية والمالية.
وأضاف أن هذه الأهداف، رغم ضرورتها، تكون مصحوبة بإجراءات إصلاحية قد تحمل كلفة اجتماعية مرتفعة في مراحلها الأولى، وهو ما يفسر الجدل المجتمعي والسياسي المصاحب لها في كثير من الدول.
وفيما يتعلق بدور الدول العربية داخل صندوق النقد الدولي، أكد معيط أن للمجموعة العربية وزنًا وتأثيرًا حقيقيين داخل مجلس الإدارة، لافتًا إلى أن آليات اتخاذ القرار داخل الصندوق ليست موحدة في جميع الملفات، إذ تتطلب بعض القرارات الاستراتيجية نسب تصويت مرتفعة، بينما تُتخذ قرارات أخرى بالأغلبية العددية، ما يتيح للدول والمجموعات الإقليمية مساحة حقيقية للمشاركة والتأثير في صياغة السياسات والبرامج.
وعن علاقة مصر بصندوق النقد الدولي، استعرض معيط مسار التعاون الممتد منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016، مرورًا ببرامج الدعم الاستثنائية خلال جائحة كورونا، وصولًا إلى البرنامج الأخير، مؤكدًا أن هذه البرامج لم تكن اختيارًا سياسيًا مجردًا، بل استجابة مباشرة لظروف استثنائية فرضتها تحديات داخلية وضغوط عالمية غير مسبوقة.
وأوضح أن التعامل مع صندوق النقد لا يمثل قاعدة ثابتة في السياسة الاقتصادية المصرية، بل إجراءً مؤقتًا تلجأ إليه الدول عندما تضيق البدائل التمويلية.
وأشار إلى أن السيادة الاقتصادية تظل بيد الحكومات الوطنية، موضحًا أن كل دولة هي من تحدد توقيت وشكل تعاملها مع المؤسسات الدولية، وأن الدول التي تنجح في استعادة استقرارها الاقتصادي وتوفير احتياجاتها التمويلية من الأسواق لا تكون مضطرة للدخول في برامج تمويل جديدة مع الصندوق.
وفي تقييمه لمسار الإصلاح الاقتصادي، شدد معيط على أن الإصلاح ليس حدثًا لحظيًا، بل عملية مستمرة وديناميكية، تفرضها طبيعة الاقتصاد العالمي المتغير، وما يشهده من أزمات متلاحقة وتحولات جيوسياسية واقتصادية عميقة.
وأوضح أن صندوق النقد الدولي بدأ خلال السنوات الأخيرة مراجعة مقاربته التقليدية، وأولى اهتمامًا أكبر بالبعد الاجتماعي، مع التشديد على أهمية شبكات الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأكثر تأثرًا بإجراءات الإصلاح.
وتناول الحوار تأثير الإصلاحات الاقتصادية على الطبقة المتوسطة، معتبرًا أنها الفئة الأكثر تعرضًا للضغط خلال الفترات الانتقالية، التي قد تمتد لعامين أو أكثر قبل أن تبدأ نتائج الاستقرار في الظهور بشكل ملموس على مستوى الأسعار والدخول ومستوى المعيشة.
وأكد أن نجاح أي برنامج إصلاح لا يُقاس فقط بتحسن المؤشرات الكلية، بل بمدى انعكاس هذا التحسن على حياة المواطنين اليومية.
وفي ختام اللقاء، شدد الدكتور محمد معيط على أن تمثيله لمصر والمجموعة العربية داخل صندوق النقد الدولي لا يتعارض مع الولاء الوطني، بل يعكسه، مؤكدًا أن دوره يتمثل في الدفاع عن مصالح الدول التي يمثلها من داخل المؤسسة الدولية، والمشاركة في صياغة القرارات والسياسات بما يحقق توازنًا دقيقًا بين متطلبات الاستقرار الاقتصادي والاعتبارات الاجتماعية.
وأعرب معيط عن تفاؤله بتحسن المؤشرات الاقتصادية المصرية خلال الفترة المقبلة، مشددًا على أن التحدي الحقيقي لا يكمن في تحقيق أرقام إيجابية على الورق، بل في تحويل هذه المؤشرات إلى واقع ملموس يشعر به المواطن، من خلال تحسن مستويات المعيشة، واستقرار الأسعار، وتعزيز الثقة في المستقبل الاقتصادي.








