شهد الإعلام الرياضي الرقمي خلال السنوات الأخيرة توسّعًا كبيرًا في انتشار المنصّات والتطبيقات المتخصّصة بتغطية الأحداث الرياضية، غير أن هذا التوسع لم يأتٍ بالضرورة مصحوبًا بنموّ حقيقي في جودة التغطية أو في العوائد المالية. على العكس، بدا واضحًا أن جلّ الاهتمام تحوّل نحو “إدارة الصورة” و”الدعاية الذاتية” بغرض الحصول على مواقع متقدّمة ضمن تصنيفات البحث وأرقام التفاعل، بينما ظلت الإيرادات الفعلية والمردود الاقتصادي أقل بكثير من المأمول.
١. أسباب الانخراط المفرط في الإدارة والدعاية
-
المنافسة الحادة على الظهور
-
مع وجود آلاف الحسابات والقنوات التي تقدم محتوى رياضيًا، أصبح التنافس على تصدّر محركات البحث ووسائل التواصل شرسًا.
-
دفعت هذه المنافسة بعض المشرفين إلى الاستثمار الكبير في شراء متابعين مزيفين والتعاقد مع “خبراء تحسين محركات البحث” على حساب جودة المحتوى.
-
-
رغبة في بناء “علامة تجارية شخصية”
-
يرى بعض الإعلاميين المنتمين للرياضة أن الترويج الذاتي وخلق صورة “الخبير المتفوّق” يضمن لهم عقودًا إعلانية ورعاية مستترة.
-
تتحول بعض الحسابات إلى بؤر لتلميع صورتهم على حساب العمق التحليلي والمهنية البراغماتية.
-
٢. الفجوة بين الأرقام المعلنة والواقع المالي
-
الإيرادات المبالغ فيها
-
يتم الإعلان عن مبالغ ضخمة مكتسبة من الإعلانات والرعايات الموجهة، لكن غالبًا لا تتجاوز نسبة الالتزام المالي لدى الرعاة 30–40% من الوعود.
-
يُستغلّ مصطلح “شراكات استراتيجية” لتغطية نقص الميزانيات الفعلية، فتُعلن شراكات إعلامية دون عقود رسمية مكتوبة.
-
-
هدر الموارد
-
الإنفاق على حملات “التسويق المدفوع” غير المستهدفة بشكل دقيق يؤدي إلى تكلفة مرتفعة مقابل عائد ضئيل.
-
الاستثمار في إنتاج فيديوهات عامة دون تحليل الجمهور المستهدف يخفض من فعالية الحملة ويرفع نسب المشاهدة “الافتراضية” على حساب التفاعل الحقيقي.
-
٣. الأرقام الوهمية وتأثيرها على مصداقية المنصّات
-
المتابعون الوهميون: بعض الحسابات توظف شركات متخصصة في توليد “قوائم متابعة” غير حقيقية، ممّا يشوّه معدّلات التفاعل الحقيقية ويؤدي إلى “وهم الأهمية”.
-
التفاعلات المشتراة: تعمد إلى شراء إعجابات وتعليقات تعبيرية فقط، دون وجود نقاش حقيقي أو مشاركة فكرية حول المحتوى المنشور.
-
التحليلات المُختلَقة: تروّج بعض الأدوات الدعائية لبيانات تضخمية عن “مشاهدات الفيديو” أو “مدّة المشاهدة”، في حين لا يتجاوز متوسط المشاهد الفعلي ثوانٍ معدودة.
٤. توصيات للخروج من المأزق
-
إعادة ضبط الأولويات
-
التركيز على المحتوى التحليلي: مقالات وفيديوهات مرجعية تتناول أسباب الأداء والتكتيكات والنتائج، بدلًا من اللمسات الديكورية.
-
الاهتمام بجودة المصادر وخلفية المحلّلين، لمنح المتابعين قيمة حقيقية.
-
-
الشفافية مع الرعاة والمتابعين
-
عقد اتفاقيات مكتوبة واضحة البنود مع الرعاة، تحدّد التزامات الطرفين بدقة.
-
عرض تقارير أداء شهرية تضامنية بين المنصّة والجهات الراعية.
-
-
قياس الأداء الفعلي بدل الأوهام الرقمية
-
الاعتماد على مؤشرات مثل “معدّل البقاء على الفيديو” و”نسبة التحويل إلى موقع رئيسي” بدلاً من عدد المشاهدات الإجمالي.
-
استخدام أدوات تحليل متقدّمة تكشف التفاعلات المزيفة وتستبعدها من البيانات الرسمية.
-
الخاتمة
إنّ الانخراط المفرط في الدعاية والإدارة على حساب المحتوى الجادّ والمصداقية المالية يشكّل خطرًا على مستقبل الإعلام الرياضي الرقمي. وللحدّ من هذا التردّي، لا بدّ من العودة إلى القيم الصحفية والمهنية التي تبني ثقة الجمهور والشركاء على حد سواء. بالشفافية والتركيز على جودة المحتوى وقياس النتائج الحقيقية، يمكن للإعلام الرياضي الرقمي أن يستعيد مكانته ويحقق عوائد مستدامة.