48
في ظل المتغيرات الاقتصادية المتلاحقة، وتصدر مصر كلاعب رئيسي في خريطة الاستثمار بالمنطقة، يبرز دور شركات الاستشارات المالية والمحاسبة كأحد الأعمدة الأساسية في دعم المستثمرين وتوجيه التدفقات الرأسمالية نحو القطاعات الأكثر جذبًا وربحية.
«مصر24» أجرت حوارًا مع هيثم تركى الرئيس التنفيذي لشركة المحاسبون المتحدون -عضو مجموعة نكسيا العالمية، حول التوسع الإقليمي واستراتيجيتها لتعزيز دورها كمستشار مالي رئيسي لعدد من كبرى الصفقات في السوق المصرية، وعن إدارتها نحو 14 صفقة متنوعة تشمل عمليات إعادة هيكلة وتمويل ودمج واستحواذ بجانب عدد من الطروحات الجديدة في البورصة، بإجمالي قيم تتجاوز الـ10 مليارات جنيه.
وأكد تركى أن هذه الصفقات تأتي في ظل تحسن مناخ الاستثمار وزيادة الثقة في الاقتصاد المصري، مدعومًا بالسياسات النقدية المستقرة واتجاه الدولة لتوسيع قاعدة الملكية عبر برنامج الطروحات الحكومية، مشيرا إلى أن المجموعة تعمل على إطلاق صندوق عقاري بقيمة 4 مليارات جنيه لدعم المطورين.
وخلال الحوار، تحدث الرئيس التنفيذي لشركة المحاسبون المتحدون عن رؤيته للاقتصاد المصري وآفاق الاستثمار في المرحلة المقبلة، مسلطًا الضوء على أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية والتركيز على القطاعات الواعدة مثل البتروكيماويات، والأغذية، والخدمات المالية غير المصرفية، والأدوية، مؤكدًا أن السوق المصرية ما زالت في مسار صاعد على المديين المتوسط والطويل..
في البداية.. كيف ترى الأوضاع الاقتصادية في مصر وما مدى انعكاسها على مناخ الاستثمار؟
الأوضاع الاقتصادية في مصر تشهد حالياً مرحلة انتقالية مهمة تتسم بإعادة التوازن بين الاستقرار المالي ودعم النشاط الإنتاجي، بعد فترة من التحديات المرتبطة بالتضخم وسعر الصرف، فالإصلاحات التي بدأت الحكومة في تنفيذها، أسهمت في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة على صعيد توافر النقد الأجنبي، وزيادة الاحتياطي، وتحسن ميزان المدفوعات.
كما أن توجه الدولة نحو تمكين القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمثل نقطة تحول رئيسية في هيكل النمو الاقتصادي، إذ بدأت بيئة الأعمال تشهد تحسناً تدريجياً من حيث الإجراءات التنظيمية وتبسيط إجراءات الحصول على التراخيص وتوسيع الشراكات مع مؤسسات التمويل الدولية، وعلى صعيد الاستثمار، انعكست تلك الإصلاحات في عودة شهية المستثمرين للدخول في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة، والصناعات التصديرية، والعقارات، والبنية التحتية، وهو ما يعزز النظرة الإيجابية تجاه السوق المصرية على المدى المتوسط.
ولكن ما زالت هناك تحديات تتعلق بسرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية واستقرار السياسات الضريبية، وهي عوامل ضرورية لضمان استدامة الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، فالاقتصاد المصري يسير في مسار تصحيحي واضح، مدعوم بإصلاحات نقدية ومالية واقعية، ما يمهد الطريق لجذب استثمارات أكبر خلال العامين المقبلين.
كما أن الإصلاحات التي تمت خلال السنوات الماضية وعلى رأسها قانون الاستثمار الجديد، وتفعيل الرخصة الذهبية، ونظام الشباك الموحد أسهمت في تحسين البيئة التشريعية وجعل السوق أكثر جاذبية، لكن ما زلنا بحاجة إلى توضيح أكبر لآليات التنفيذ، فالمستثمر المحلي أو الأجنبي لا يكفيه مجرد صدور القانون، بل يحتاج إلى وضوح كامل في كيفية تطبيقه وآلياته وضمان حماية حقوقه وسرعة البت في الإجراءات.
إلى أي مدى أسهمت السياسات النقدية الأخيرة في تعزيز ثقة المستثمرين؟
بشكل واضح، السياسات الأخيرة أسهمت في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، بعد فترة من التذبذب وعدم اليقين التي سبقت استقرار سعر الصرف وقرارات خفض الفائدة التدريجية.
فمنذ بداية العام، اتجه البنك المركزي إلى تطبيق سياسة نقدية أكثر مرونة تستهدف تحقيق توازن بين السيطرة على التضخم وتحفيز النشاط الاقتصادي، وهو ما انعكس على استقرار سوق الصرف وزيادة تدفقات الاستثمار في أدوات الدين المحلية، بجانب ارتفاع أحجام التداول في البورصة المصرية، فتحرير السياسة النقدية وربطها بالأسس السوقية أعاد جزءاً كبيراً من الثقة لدى المستثمرين الأجانب في قدرة الدولة على إدارة ملفاتها المالية والنقدية بكفاءة، خصوصاً مع وضوح رؤية السياسة النقدية وعدم الاعتماد على قرارات مفاجئة.
إذ إن تخفيض أسعار الفائدة واستقرار سعر الصرف شكلا نقطتين محوريتين في إعادة تنشيط الاستثمار، فعندما تنخفض الفائدة، يصبح الاقتراض أكثر جاذبية، وبالتالي نشهد توسعًا في تمويل الشركات والمصانع، سواء عبر البنوك أو أدوات الدين، لذلك شركات الاستشارات المالية ومن بينها مكتبنا أصبحت تجد سهولة أكبر في تقييم الشركات بشكل دقيق وشفاف، لأن استقرار الرؤية النقدية يقلل من هامش المخاطر ويجعل المستثمر أكثر اطمئنانًا، والأمر لا يتوقف عند ذلك، بل إن تخفيض الفائدة يحفز على زيادة الإقبال على البورصة باعتبارها قناة استثمارية بديلة، ويوفر سيولة إضافية تدعم عمليات الدمج والاستحواذ وإعادة الهيكلة.
ما توصيفك لحركة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأبرز السيناريوهات المتوقعة خلال العام المالي الحالي؟
الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر يشهد خلال الفترة الأخيرة حالة من الانتعاش الحذر، إذ بدأت تظهر مؤشرات إيجابية على عودة التدفقات، خاصة بعد استقرار سعر الصرف وتحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، فخلال العام الجاري، رصدت مؤسسات دولية ومراكز بحوث مالية زيادة في عدد الصفقات الاستثمارية في قطاعات الطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، والعقارات، إضافة إلى ارتفاع اهتمام الصناديق الخليجية ببرنامج الطروحات الحكومية.
ورغم ذلك، فإن وتيرة التعافي ما زالت تتأثر بعوامل عدة، أبرزها ارتفاع تكلفة التمويل عالميًا، واستمرار حالة الترقب لدى بعض المستثمرين الأجانب لحين وضوح كامل لسياسات الاستثمار والضرائب.
لكن يُحسب للحكومة المصرية أنها بدأت بالفعل في معالجة هذه التحديات عبر مجموعة من الخطوات الإصلاحية، من بينها إطلاق المجلس الأعلى للاستثمار وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات، بالإضافة إلى تعزيز آليات الشراكة مع القطاع الخاص وتوسيع نطاق الاستثمار في المناطق الاقتصادية الخاصة، فمصر تسير في مسار تصاعدي مستقر نحو استعادة الثقة في مناخها الاستثماري.
ومن المتوقع أن تتزايد التدفقات تدريجيًا خلال النصف الثاني من العام المالي الجاري، مع تحسن بيئة الأعمال واستمرار تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي، على أن تشهد زيادة كبيرة خلال العام المالي المقبل 2026/2027 مقارنة بالعديد من الأسواق الناشئة، ولا تتركز فقط في قطاع واحد، بل تتوزع بين العقارات والصناعة والزراعة والأغذية والأدوية، وهو ما يولد توازنًا في تدفق رؤوس الأموال، ويقلل مخاطر الاعتماد على قطاع بعينه.
حدثنا عن استراتيجية «المحاسبون المتحدون» وخطط التوسع خلال المرحلة المقبلة؟
نحن في شركة المحاسبون المتحدون عضو مجموعة نكسيا العالمية نركز حاليًا على ترسيخ مكانتنا كشريك استراتيجي للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، من خلال تقديم حزمة متكاملة من الخدمات تشمل الاستشارات المالية، وإعادة الهيكلة، والدمج والاستحواذ، والحوكمة، والاستشارات الضريبية.
خلال الفترة الأخيرة عملنا على توسيع نطاق خدماتنا لتواكب احتياجات السوق المتغيرة، مع التركيز على الحلول المالية المتخصصة التي تدعم بيئة الأعمال في ظل التطورات الاقتصادية.
حالياً لدينا 6 مكاتب خارجية، ونسعى للتوسع في أسواق جديدة مثل لبنان وسوريا وليبيا والأردن فور استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها؛ هذا التوسع الإقليمي سيساعدنا في خدمة عملائنا بشكل أوسع، ويمنحنا رؤية أعمق لاحتياجات المستثمرين في المنطقة، بما يعزز من قدرتنا على دعم خططهم الاستثمارية بكفاءة واستدامة.
على صعيد نشاط إعادة الهيكلة، ما ملامح أبرز الصفقات التي تديرونها حاليًا؟
نعمل حاليًا على إعادة هيكلة 4 شركات كبرى تستهدف تحقيق نمو واستدامة داخل قطاعات استراتيجية متنوعة، بإجمالي قيمة استثمارية تقترب من نحو 850 مليون جنيه، ولا يقتصر درونا على إعادة تنظيم هياكل الشركات، بل يمتد إلى جذب مستثمرين جدد وضخ رؤوس أموال توسعية تضمن استمرار النشاط وتطوير قدراته الإنتاجية.
ففي قطاع الصناعات الزجاجية، نعمل على إعادة هيكلة إحدى الشركات المتميزة في هذا المجال، بهدف تمكينها من التوسع عبر دخول شركاء استراتيجيين وضخ استثمارات جديدة ترفع من كفاءتها التشغيلية.
أما في قطاع الأغذية، فنحن نركز على صفقة تعكس التوجه الحكومي نحو دعم الصناعات المرتبطة بالأمن الغذائي والتوسع الزراعي، بما يتيح فرصًا كبيرة للنمو المحلي والتصدير.
وفي قطاع الحديد والصلب، ندير عملية إعادة هيكلة تستهدف تحديث خطوط الإنتاج ورفع الكفاءة بما يتناسب مع متطلبات السوقين المحلية والإقليمية، بينما تأتي صفقة قطاع الأدوية كأحد أهم الملفات الجاذبة للاستثمارات في ظل زيادة الطلب المحلي والتوسع في التصدير للأسواق الخارجية.
هذه الصفقات مجتمعة تمثل نموذجًا عمليًا لرؤيتنا التي تقوم على تحويل التحديات إلى فرص نمو حقيقية، ورفع القيمة السوقية للشركات المعنية، بما يسهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري على المدى الطويل.
وماذا عن صفقات الدمج والاستحواذ التي تتولون إدارتها؟
نشارك في الوقت الحالي في تنفيذ مجموعة من صفقات الدمج والاستحواذ المحورية التي تعكس النشاط المتنامي في السوق المصرية واهتمام المستثمرين الإقليميين والدوليين بالفرص المتاحة، حيث لدينا صفقتا استحواذ بارزتان تمثلان محور هذا النشاط، إلى جانب صفقة دمج كبرى في القطاع العقاري.
تتمثل الصفقة الأولى في استحواذ تحالف سعودي إماراتي على حصة تبلغ 25% في إحدى الشركات المصرية العاملة في قطاع التعدين، بإجمالي قيمة تصل إلى نحو 1.2 مليار جنيه، والتى تخضع حاليًا لمراحل الفحص النافي للجهالة، ومن المتوقع إتمامها خلال الربع الأول من عام 2026، ما يعكس اهتمام رؤوس الأموال الخليجية بقطاع الصناعة والتعدين المصري نظرًا لما يقدمه من فرص واعدة للنمو.
أما الصفقة الثانية، فتتعلق باستحواذ مستثمر آسيوي على مجموعة من الفنادق في مدينة الغردقة، بقيمة تتراوح بين 800 و900 مليون جنيه، وهي صفقة تؤكد عودة الزخم التدريجي للاستثمارات السياحية، خاصة في ظل التطور الكبير الذي تشهده المناطق الساحلية في مصر خلال السنوات الأخيرة.
وإلى جانب ذلك، ندير حاليًا صفقة دمج في القطاع العقاري بقيمة تتراوح بين 2 و2.5 مليار جنيه، تستهدف إيجاد كيان محلي قوي قادر على المنافسة داخل السوقين المصرية والإقليمية، ويتمتع بخطة توسعية طموحة تركز على تطوير مشروعات متنوعة تتناسب مع التحولات الحاصلة في الطلب العقاري.
ما خططكم على صعيد نشاط الطروحات بالبورصة؟
نتولى حاليًا دور المستشار المالي لـ 4 طروحات تعكس الزخم المتجدد في سوق المال المصرية والاهتمام المتزايد من جانب المستثمرين المحليين والأجانب.
تضم هذة الطروحات شركة تعمل في قطاع الأثاث برأسمال 280 مليون جنيه، ومن المقرر طرح نحو 10% من أسهمها خلال النصف الأول من عام 2026، أما الثانية فهي شركة أغذية برأسمال 2 مليار جنيه، ونعمل أيضًا على طرح شركتين أخريين، إحداهما عقارية كبرى برأسمال 3 مليارات جنيه، والأخرى شركة في قطاع الأدوية برأسمال قدره 700 مليون جنيه، ومن المتوقع تنفيذها خلال النصف الأول من عام 2026، ما يعكس حيوية السوق المصرية وقدرتها على استيعاب كيانات جديدة، إضافة إلى عودة الثقة التدريجية للمستثمرين في أدوات سوق المال كقناة جاذبة للتمويل والاستثمار.
هذه الطروحات تأتي في وقت تسعى فيه البورصة المصرية لتعزيز عمق السوق وزيادة معدلات السيولة عبر جذب شركات جديدة وقطاعات متنوعة، وهو ما يسهم في تنشيط حركة التداولات وتوسيع قاعدة المستثمرين. كما تمثل هذه الخطط مؤشرًا قويًا على استعادة السوق عافيتها، خاصة في ظل السياسات الحكومية التي تدعم برنامج الطروحات وتعمل على تهيئة المناخ الاستثماري لضخ المزيد من رؤوس الأموال في البورصة المصرية.
هل هناك نية للمشاركة في إطلاق صناديق استثمار خلال الفترة المقبلة؟
نعمل حاليًا كمستشار مالي لإطلاق صندوق عقاري بقيمة 4 مليارات جنيه للمرحلة الأولي، يضم مجموعة من كبار المطورين العقاريين في السوق المصرية، إذ يهدف هذا الصندوق إلى أن يكون منصة استثمارية متكاملة لتعبئة رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وتوجيهها نحو مشروعات عقارية كبرى، خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الساحلية، التي أصبحت وجهة رئيسية للمستثمرين خلال السنوات الأخيرة.
إذ تمثل الصناديق العقارية واحدة من أهم الأدوات التمويلية القادرة على دعم القطاع العقاري وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني، لأنها توفر بدائل تمويل مبتكرة للمطورين بعيدًا عن الاعتماد الكامل على التمويل المصرفي التقليدي، كما أنها تتيح للمستثمرين فرصًا للمشاركة في نمو السوق العقارية وتحقيق عوائد مجزية على المديين المتوسط والطويل.
وماذا عن دوركم في تدبير تمويلات لشركات بالقطاع الخاص؟
نولي ملف التمويل أهمية خاصة، باعتباره أحد المحركات الأساسية لنمو الشركات واستدامة أعمالها، حاليًا ندير 3 صفقات رئيسية لإعادة الهيكلة بغرض الحصول على تمويلات متنوعة من بنوك وجهات استثمارية محلية وإقليمية، بإجمالي تمويلات تقترب من نحو مليار جنيه.
الصفقة الأولى في قطاع الحديد والصلب، إذ نعمل على تدبير تمويل بقيمة 600 مليون جنيه لتحديث خطوط الإنتاج ورفع الكفاءة التشغيلية. أما الصفقة الثانية فتخص إحدى شركات الأدوية المحلية بهدف الحصول على تمويل بنحو 300 مليون جنيه لتوسيع الطاقة الإنتاجية وزيادة التصدير إلى أسواق أفريقيا والخليج، بينما الصفقة الثالثة في قطاع الأغذية، وتهدف لتوفير تمويل يقارب 50 مليون جنيه لتطوير خطوط التعبئة والتغليف وتوسيع شبكة التوزيع المحلية، ومن المنتظر إغلاقها قبل نهاية العام الجاري، وستسهم بشكل مباشر في تعزيز النمو التشغيلي للشركات وزيادة قدرتها التنافسية، فضلًا عن إتاحة فرص عمل جديدة وتحريك عجلة الإنتاج.
