تعد العلاقات المصرية البريطانية من أكثر العلاقات ثباتا وحيوية في المنطقة، حيث تجمع بين البلدين شبكة واسعة من المصالح المشتركة والتفاهمات السياسية والاقتصادية والثقافية، ومع التغيرات العالمية المستمرة، استطاعت هذه العلاقة أن تتطور بروح جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والرغبة في بناء شراكة تتوافق مع تحديات العصر.
مصر التي أعادت صياغة سياستها الخارجية على أسس الاستقلالية والانفتاح باتت ترى في بريطانيا شريكًا داعمًا لمسارات التنمية والاستقرار، بينما تنظر بريطانيا إلى مصر باعتبارها قوة إقليمية لا غنى عن التعاون معها. ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح الانفتاح على الشرق الأوسط وإفريقيا ضرورة استراتيجية، وبرزت مصر باعتبارها مركز ثقل سياسي وجغرافي واقتصادي يمكن أن يشكل قاعدة رئيسية لتعزيز حضور بريطانيا في المنطقة.
وانعكس هذا على الأرقام الإقتصادية بشكل ملموس، فقد بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين في 2024 نحو 4.7 مليار جنيه استرليني، حيث بلغت صادرات مصر إلى بريطانيا حوالي 1.4 مليار جنيه استرليني، فيما بلغت الواردات البريطانية إلى مصر نحو 1.5 مليار جنيه استرليني، وشكلت صادرات الفواكه المصرية إلى السوق البريطانية حوالي 197 مليون جنيه استرليني، بينما بلغت صادرات الخضروات نحو 114 مليون جنيه استرليني، كما تجاوزت الاستثمارات البريطانية المباشرة في مصر 20 مليار جنيه استرليني موزعة على أكثر من ألفي شركة في قطاعات متعددة تشمل الطاقة، والصناعة، والخدمات، والزراعة، وهو ما يعكس ثقة كبيرة في البيئة الاستثمارية المصرية ويؤكد وجود أرضية صلبة لتوسيع الشراكة في المستقبل.
وعلى الصعيد السياسي، اتسمت العلاقة بالاستقرار مع تزايد اللقاءات والمشاورات بين مسؤولي البلدين حول ملفات مكافحة الإرهاب والتطرف، والهجرة غير النظامية، والأزمات الإقليمية، وقد أتاح التنسيق الأمني والعسكري تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني والجريمة المنظمة وحماية الملاحة البحرية، بما يعزز قدرة الطرفين على مواجهة التحديات الإقليمية.
ويظل التعليم عنصرًا أساسيًا في هذه الشراكة، حيث يستقبل النظام التعليمي البريطاني آلاف الطلاب المصريين سنويًا، كما تنتشر المدارس والجامعات البريطانية في مصر، معززة التعاون الثقافي والمعرفي، وتعمل السياحة كرافد اقتصادي مهم، إذ تشهد المقاصد المصرية مثل شرم الشيخ والغردقة والإسكندرية زيادة مطردة في أعداد السياح البريطانيين، ما يعكس صورة إيجابية للعلاقة الشعبية بين البلدين.
ويمثل التعاون في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر أحد أبرز مسارات المستقبل، إذ تمتلك مصر موارد ضخمة في الطاقة الشمسية والرياح، فيما تمتلك بريطانيا خبرات متقدمة في تطوير الطاقة النظيفة، وهو ما يوفر فرصًا جديدة للاستثمار المشترك وتحقيق التنمية المستدامة. وعلاوة على ذلك، تدرك بريطانيا أن مصر ليست مجرد دولة في الشرق الأوسط، بل محور جغرافي يربط الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالقرن الإفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء، ما يجعل الشراكة مع القاهرة مفتاحًا لتعزيز النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة.
وتعكس الأرقام الاقتصادية حجم الثقة والتعاون الفعلي بين البلدين، وتحوّل الشراكة إلى واقع ملموس يتعدى الشعارات الدبلوماسية، ويخلق قاعدة لتوسيع العلاقات في مجالات متنوعة تشمل التجارة والاستثمار والطاقة والتعليم والثقافة والسياحة، بما يعزز مكانة مصر وبريطانيا كشريكين استراتيجيين قادرين على مواجهة التحديات المستقبلية معًا وتحقيق مصالح مشتركة طويلة المدى.
وبذلك تصبح العلاقات المصرية البريطانية، نموذجا لشراكة متوازنة وواقعية، تجمع بين التاريخ الطويل والمصالح الاقتصادية المتنامية، وتفتح آفاقًا واسعة لتعاون مستدام في مختلف المجالات، مدعومة بإرادة سياسية قوية وتواصل شعبي وثقافي يعزز استقرار هذه الشراكة ويمنحها القدرة على التطور في المستقبل.
ويعد السفير البريطاني الجديد لدى مصر، مارك برايسون ريتشاردسون، إضافة دبلوماسية مهمة لمسار العلاقات المصرية البريطانية، حيث جاء يحمل رؤية واضحة لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والانطلاق بها نحو آفاق تعاون أوسع وأكثر تنوعًا.. ومنذ توليه منصبه، أظهر السفير التزامًا قويًا بدعم الاستقرار والتنمية في مصر، وتعزيز التعاون القائم على المصالح المتبادلة.
ويبذل السفير مارك برايسون ريتشاردسون جهودًا واضحة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، من خلال دعم الشركات البريطانية للاستثمار في مصر، وفتح قنوات جديدة للتعاون بين القطاع الخاص المصري والبريطاني.. ويعمل على توسيع الشراكات في مجالات الطاقة، البنية التحتية، التكنولوجيا، والاقتصاد الأخضر، بما يخلق فرصًا حقيقية للنمو ويعزز جاذبية السوق المصرية.
وباعتباره دبلوماسيًا ذا خبرة واسعة في ملفات الأمن الإقليمي، يضع السفير الجديد لمصر التعاون الأمني في مقدمة أولوياته، سواء عبر تبادل الخبرات أو دعم القدرات في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني والحد من الجريمة المنظمة.. ويؤكّد دائمًا أهمية دور مصر في استقرار المنطقة.
ويركّز السفير مارك برايسون ريتشاردسون على دفع التعاون في ملف المناخ والتنمية المستدامة، امتدادًا لمسار طويل من الشراكة بين البلدين في هذا المجال.
ويعمل على دعم مصر في التحول للطاقة النظيفة، وتشجيع التمويل الأخضر، وتعزيز الابتكار في مجالات المياه والغذاء والطاقة، بما يساهم في تحقيق أهداف رؤية مصر 2030.
ويولي السفير اهتمامًا خاصًا بملفات التعليم والبحث العلمي، ويرى فيها محورًا أساسيًا لتمتين العلاقات الثنائية.. فهو يدعم توسيع برامج المنح البريطانية للطلاب والباحثين المصريين، وتعزيز التعاون بين الجامعات، ودعم مشروعات الحفاظ على التراث الثقافي خاصة مع الافتتاح العالمي للمتحف المصري الكبير وما يمثّله من رمز حضاري وشراكة ثقافية طويلة الأمد.
ويشدد السفير مارك برايسون ريتشاردسون في لقاءاته الرسمية على أن العلاقات المصرية البريطانية “علاقات راسخة وتاريخية”، وأن المرحلة المقبلة سوف تشهد تعاونًا أوثق في ملفات الاقتصاد والتنمية والتعليم والمناخ والأمن. ويعكس حضوره الدبلوماسي رسائل إيجابية حول التزام بريطانيا بدعم مصر كشريك محوري في المنطقة.
يأتي مارك برايسون ريتشاردسون ليتولى منصبه في مرحلة تتطلب شراكات قوية ورؤى واضحة لمواجهة تحديات العالم.. ومن خلال نشاطه الدبلوماسي، يؤكد حرصه على دفع العلاقات المصرية البريطانية، نحو مزيد من التقدم والاستقرار وإن جهوده المتواصلة تُسهم في ترسيخ شراكة استراتيجية حديثة، تُحقق مصلحة الشعبين وتعزز التعاون في مختلف المجالات، وتفتح صفحة جديدة من التعاون البنّاء بين القاهرة ولندن.
ويمثل التعاون الاقتصادي بين القاهرة ولندن حجر الزاوية في مسار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، حيث يشمل استثمارات ضخمة ومبادلات تجارية واسعة في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والصناعة، والخدمات المالية، والزراعة، والتكنولوجيا الحديثة.
وتسعى كل من مصر وبريطانيا إلى تعزيز هذه الشراكة عبر تطوير المشاريع المشتركة، وفتح أسواق جديدة، وتحفيز الابتكار في مجالات الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة.
وتشير المؤشرات الحديثة إلى نمو ملحوظ في حجم الاستثمارات البريطانية المباشرة في مصر، ما يعكس الثقة في استقرار البيئة الاقتصادية والسياسات الإصلاحية التي تنتهجها القاهرة، فضلًا عن زيادة التعاون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدين، وإطلاق برامج مشتركة لدعم ريادة الأعمال وتمكين الشباب والمشروعات الناشئة.
كما يُولي الطرفان اهتمامًا متزايدًا بتطوير البنية التحتية، بما في ذلك النقل والخدمات اللوجستية، لتعزيز سلاسل الإمداد وتسهيل حركة التجارة والاستثمار. وكل هذه الجهود تعكس رؤية مشتركة لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي، بما يخلق فرص نمو مستدامة ويعزز مكانة مصر كبوابة للاستثمار في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويؤكد دور بريطانيا كشريك موثوق في تحقيق التنمية المستدامة ودفع عجلة الاقتصاد في المنطقة.







