قال الدكتور أحمد معطي، الخبير الاقتصادي، إن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس يُعد خطوة محسوبة تعكس فهمًا دقيقًا لتطورات المشهد الاقتصادي، وتوازنًا واضحًا بين دعم النمو والحفاظ على الاستقرار النقدي، مؤكدًا أن القرار جاء استجابة مباشرة لتراجع معدلات التضخم وتحسن عدد من المؤشرات الكلية.
وأوضح معطي أن البنك المركزي استند في قراره إلى الانخفاض الواضح في معدل التضخم السنوي، الذي سجل 12.3% خلال نوفمبر الماضي، مشيرًا إلى أن العامل الحاسم في هذا التراجع كان الانخفاض الكبير في تضخم السلع الغذائية، الذي هبط إلى نحو 0.7%، وهو ما عوّض بشكل ملحوظ الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، ومنع انتقالها بقوة إلى المستوى العام للأسعار.
وأضاف أن هذا التطور يعكس تحسنًا حقيقيًا في جانب المعروض السلعي، وهو ما يمنح البنك المركزي مساحة للتحرك نحو التيسير النقدي، ولكن بأسلوب تدريجي وحذر، موضحًا أن خفض الفائدة بنسبة 1% فقط يحمل رسالة واضحة بأن البنك المركزي لا يندفع نحو خفض حاد قد يحمل مخاطر، وإنما يفضل البناء خطوة بخطوة وفق البيانات.
وأكد الخبير الاقتصادي أن البنك المركزي أعلن بوضوح استهدافه الوصول بمعدل التضخم إلى 7% ± 2% بحلول الربع الرابع من عام 2026، وهو ما يعني – وفق تقديره – أن الفترة المقبلة قد تشهد مزيدًا من التخفيضات التدريجية للفائدة، حال استمرار الاتجاه النزولي للتضخم وثبات المؤشرات الاقتصادية.
وأشار الدكتور أحمد معطي إلى أن من أبرز نقاط القوة في بيان البنك المركزي هو ربط القرار المحلي بالسياق العالمي، لافتًا إلى أن البنك أوضح أن الاقتصاد العالمي يشهد نموًا، لكنه نمو بطيء وتعافٍ نسبي، في ظل استمرار حالة عدم اليقين الناتجة عن التوترات الجيوسياسية، واضطراب السياسات التجارية العالمية، وهو ما يفرض على مصر التحرك بحذر وعدم اتخاذ قرارات توسعية كبيرة دفعة واحدة.
وأوضح أن البنك المركزي أكد كذلك أن التضخم العالمي لا يزال مستقرًا نسبيًا، لكنه استقرار هش، ما يستدعي استخدام أدوات السياسة النقدية بأسلوب مرن ومدروس، يتكيف مع تطورات الأسواق العالمية، وليس فقط مع الأوضاع المحلية.
وفيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، قال معطي إن البنك المركزي توقع تسجيل معدل نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنحو 5%، مقارنة بتقديرات سابقة بلغت 5.3%، مشيرًا إلى أن هذا المعدل لا يزال قويًا في ظل الظروف الحالية، ويعكس تحسن النشاط الاقتصادي وزيادة الإنتاج، وهو ما يسهم بدوره في خفض الضغوط التضخمية عبر تعزيز المعروض من السلع والخدمات.
وأكد أن زيادة النمو الحقيقي المصحوب بزيادة المعروض تُعد أحد أهم الأدوات غير المباشرة للسيطرة على التضخم، وهو ما يفسر استمرار البنك المركزي في دعم النمو دون التخلي عن هدف استقرار الأسعار.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن خفض أسعار الفائدة يحمل آثارًا إيجابية مباشرة على الاقتصاد، حيث يسهم في تقليل عبء خدمة الدين على الموازنة العامة، ويشجع الشركات على التوسع في الاستثمار، ويدفع الأفراد إلى زيادة الاقتراض المنتج، بما يدعم دورة الإنتاج والتشغيل.
كما أشار إلى أن تراجع الفائدة يفتح المجال أمام تحسن أداء البورصة، ويشجع شريحة من المدخرين على إعادة توجيه أموالهم نحو بدائل استثمارية أخرى، مثل المشروعات الإنتاجية، وصناديق الاستثمار، والذهب، بدلًا من الاعتماد الكامل على الشهادات الادخارية، وإن كان يؤكد أن نسبة كبيرة من المدخرين ستظل تميل إلى تجديد شهاداتها في المدى القصير.
واختتم الدكتور أحمد معطي تصريحاته بالتأكيد على أن قرار خفض الفائدة الأخير قرار متوازن وذكي، يعكس قراءة واقعية للبيانات الاقتصادية، ويبعث برسالة طمأنة للأسواق بأن مسار التيسير النقدي قادم، لكنه سيكون تدريجيًا ومحكومًا بالبيانات، بما يضمن دعم النمو الاقتصادي دون المخاطرة بعودة موجات تضخمية جديدة.








