وجه سامح شكري وزير الخارجية، خلال كلمته في مجلس الأمن، الشكر إلى دولة البرازيل ووزير الخارجية ماورو فییرا معقبًا على أحداث حرب غزة الجارية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، قائلًا: «رئیس مجلس الأمن، اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالشكر لدولة البرازيل، الرئيس الحالي لمجلس الأمن، على جھودھا الحثيثة لقيادة المجلس في ھذا الظرف الدقيق.
وتابع: «السید الرئیس.. تشھد الأرض الفلسطینیة في ھذه اللحظة أحداثًا مروعةً، حيث زاد عدد ضحايا الأعمال العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عن خمسة آلاف ضحية من المدنيين الأبرياء، ضمنھم أكثر من ألفي طفل، في فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أسابيع… ولا تزال آلة الحرب مستمرة – وبصورة عشوائية – في حصد الأرواح دون تفرقة أو تمييز».
وأشار إلى أنه ورغم ھذه الصدمة الإنسانية، وما نشھده على مدار الساعة من ضحایا، فإنھ لمن المؤسف – بل والمخزي – أن البعض ما زالوا مستمرين فى تبرير ما يحدث، تحت شعار حق الدفاع عن النفس ومقاومة الإرھاب… وأتساءل الیوم… أي حق ھذا الذي يسمح لصاحبھ عدم التفرقة بین عدو یستهدف ومدنیین عزل، فرض علیھم القدر أن یعیشوا لقرون على ھذه البقعة من وطنھم، وأن یفرض علیھم حصارٌا على ملیونین ونصف من المدنیین، یتعرضون للقتل والتجویع والتھجیر قسرًا.
وأضاف أن المشاھد التي فرضھا علینا ھذا الصراع منذ البداية إنما تدمي قلوبنا لقسوتھا، فالأطفال الذين فقدوا أرواحھم أو أمھاتھم أو أخوتھم أو آبائھم لا يستحقون ما تعرضوا لھ، ولیسوا مسئولین عما ألم بھم، ولا تتحمل ضمائرنا معاناتھم.
وأكد أن الصمت في ھذا التوقیت مباركة، وعدم تسمية الأشیاء بأسمائھا، والاكتفاء بإطلاق النداءات الجوفاء بتوقع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، دون توصیف ما یحدث بأنه خرق فعلي لھذا القانون وحقوق الإنسان الذي یتشدقون بھا، إنما یعد مشاركة لما یقترف. كما أن محاولة اختزال معاناة شعب بأكملھ لمدة تزید عن سبعة عقود في ملابسات فصل أخير من تلك المعاناة، ھي محاولة يائسة لتبریر انتھاكات صارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وترقى لأن تكون ضوءًا أخضر لاستمرار المعاناة غير المسبوقة التي یتعرض لھا أھل قطاع غزة.
وأضاف أن مصر بادرت مصر بإدانة استھداف المدنیین أي مدنیین، وإنني أكرر وأؤكد مرة أخرى بأن مصر لا تقبل أي استھداف للمدنیین العزل من أي طرف، أو احتجازھم ليصبحوا أداة للمقایضة، ولا تقبل بأي مبرر يساق في ھذا الصدد، وتطالب بالإفراج عنھم، فالإنسانیة لا تتجزأ ولیس بھا انتقائية، ولكن إذا كان البعض منشغلًا بلعبة إلقاء اللوم، بینما یستمر القتل والتدمیر دون توقف، فلعلھ من المھم أن یدرك ھؤلاء أن اللحظة التي نعیشھا حالیًا لم تأت من فراغ، بل ھي نتاج لتراكم ممارسات وسیاسات ھدفھا الوحید تكریس احتلال غیر شرعي، وسلب الأرض من أصحابھا، وفرض واقع ديموغرافي جدید.
ونوه إلى أن مصر سبق وقد حذرت، مرارًا وتكرارًا، من الاكتفاء بالدعوة على استحياء لتفعیل عملية السلام، ومن تقاعس المجتمع الدولي عن استخدام الأدوات المتاحة لدیھ لإنفاذ التوافق الدولي على تسویة القضیة الفلسطینیة بناء على حل الدولتين وقرارات مجلس الأمن والشرعیة الدولیة.
كما أشار إلى أن مصر حذرت في أكثر من موضع، من استمرار وتكثيف الممارسات الإسرائيلية خلال الفترة الماضية، لاسیما الإمعان في إضعاف السلطة الفلسطینیة وإشعارھا بأن خیار السلام غیر ُمجد، وسیاسات الفصل بین الضفة الغربية وقطاع غزة، وحصار القطاع، والاقتحامات العسكریة الإسرائیلیة لمدن الضفة، والاعتداء على المقدسات، والتراجع المستمر من قبل إسرائیل عن أية تفاھمات یتم التوصل إلیھا لتھدئة الأوضاع على الأرض… كل ما تقدم وصل بنا إلى ھذه اللحظة البائسة التي نعیشھا..
وأضاف أن قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة عكست عبر تاریخ الأزمة إجماعًا واضحًا وقاطعًا على تسویة القضیة الفلسطینیة… ولیس على تصفیتھا سواء من خلال الأعمال العسكریة أو الاستیطان… أو ما نشھده الآن من محاولات التھجیر القسري… وأؤكد مجددًا على ما ذكرتھ مصر خلال قمة القاھرة للسلام بأن “حل القضیة الفلسطینیة لیس التھجیر… ولیس إزاحة شعب بأكملھ إلى مناطق أخري… بل إن حلھا الوحید ھو العدل بحصول الفلسطینیین على حقوقھم المشروعة في تقریر المصیر والعیش بكرامة وأمان في دولة مستقلة على أرضھم مثلھم مثل باقي شعوب الأرض”…فالشعب الفلسطیني لن ینزح عن أرضه، بل متشبث بھا، ولن تقبل مصر أن یھجر أو أي محاولة لتصفیة القضیة الفلسطینیة على حسابھا، والدول بالمنطقة. إن النظر عبر التاریخ یخبرنا بوضوح أن الشعب الفلسطیني، رغم التحدیات، ظل صامدًا على أرضھ، وأن القضیة الفلسطینیة عبر كل مراحلھا، لم تمت… بل بقيت أیضًا صامدةً بقدر ما لھا ولشعبھا من مطالب مشروعة وحقوق لا جدال حولھا… وأن كل ما حصده العالم من تأجیل للحل وتغییب آفاقة، كان المزید من الاضطراب والآلام داخل فلسطين المحتلة وإسرائیل والمنطقة بأسرھا.
وقال: أننا تابعنا بأسف عجز المجلس الموقر مرتین، عن إصدار قرار أو حتى نداء بوقف إطلاق النار لإنھاء ھذه الحرب، كما نستغرب أیضًا في ظل ھذا الوضع المتأزم، من أیة محاولات جدیدة لإصدار قرارات لا تتضمن مطالبات بوقف إطلاق النار للحیلولة دون انزلاق الأوضاع إلى المزید من التدھور الذي قد یقود المنطقة إلى منعطف خطیر یحمل تبعات جسیمة، مضيفا أنن بعض ما یُطرح الآن في المجلس یرقى لأن یكون محاولة جدیدة لتبریر استمرار الحرب، وھو ما یتنافى مع میثاق المنظمة المنشئ لھذا المجلس، والذي حدد ولایتھ واختصاصه.
يذكر أن مصر قامت بتوفیر منصة لقادة الدول والحكومات من خلال قمة القاھرة للسلام التي عقدت في 21 الجاري، لمحاولة احتواء الموقف، وإيجاد إطار سياسي للتعامل مع الأزمة بدلًا من ترك العنان لدعوات القتل والعنف والتدمیر، وقد عمدت القمة إلى اتباع يستند إلى مراعاة البعد الإنساني الملح لھذه الكارثة، ولقد تطلعنا من ذلك إلى التوصل إلى توافق ولو مبدئي حول تخفیض حدة الصراع وبما یقود إلى وقف إطلاق النار وحمایة المدنیین، ونفاذ المساعدات الإنسانیة، وإعادة إحیاء عملیة السلام.
واختتم كلمته: بأن مصر ستواصل جھودها في ھذا السیاق، ولن تغمض لها عین حتى تنتھي ھذه الحرب.