سهاد الخضري
لا تصل أصواتهن إلى أبنائهن لكن إشارات تبعثها قلوبهن كافية لتجاوز حاجز صنعته أصابة أبنائهن بالصمم. وُلدن ضعاف سمع واكتشفت الأمهات متأخرا.
لم تفد عمليات زرع القواقع التي تكلفت الآلاف. لكن وحدجها القلوب توصل المعنى كأوضح ما يكون.
جميلة أحمد أم أربعينية لها ابنتان عانين منذ ولادتهما مشكلة في السمع فضلا عن ضمور جزئي للفتاة الكبرى نتيجة ولادتها بنقص في الأكسجين.
وحدها تحارب الأم معاناة ابنتيها. فهي منفصلة عن زوجها. وقد أضيف إلى أعبائها تحمل مراعاة والدتها العجوز. حياة هادئة من الأصوات لكنها مليئة بالآلام الصامتة.
تروي “جميلة”: “بنتي ريتاج الصغيرة بقى عندها 15 سنة. قدرها تتولد بضعف في السمع وعدم اكتمال الرئة. حجزوها في الرعاية المركزة لما اتولدت حوالي 70 يوم”.
تضيف الأم “جميلة” لـ”مصر 360″: لما وصلت ريتاج سن 3 سنين عملنا لها عملية زرع قوقعة بعد فشل السماعات عن مساعدتها. دا غير ولادتها بعيب في شبكية العين  لم يكتشفه الأطباء إلا منذ سنتين رغم معاناتها الواضحة من ضعف بصرها”.
ريتاج120 ألف جنيه لا تعيد السمع
ظلت معاناة “ريتاج” مع سمعها الضعيف حتى وصلت إلى سن 8 سنوات ونصف لتجرى لها عملية زراعة القوقعة بمساعدة جمعية خيرية.
وتكلفت العملية 120 ألف جنيه حينذاك: “للأسف عانت كمان من عدم قدرتها على الجلوس أو الحركة. واستمر وضعها كدا لحد ما بدأت جلسات تخاطب. فضلت فترة طويلة مش مستوعبة كلامي ولا إشاراتي. لكن كان فيه شيء رابط بيني وبينها بيخلينا نتعامل مع بعض وتفهمني. لكن طبعا التكلفة لجلسات التخاطب كبيرة جدا. 2160 جنيه شهريا مقابل 12 جلسة. واحنا أسرة على قد حالها”.
الشقيقة الكبرى لريتاج هي الأخرى مريضة ضمور جزئي وضعف سمع. ما يضطر الأسرة لصرف مبلغ 3 آلاف جنيه شهريا على جلسات التخاطب.
تكلفة عالية.. الصمم أرخص منها
تحكي الأم أن التكلفة العالية لجلسات التخاطب منعتنا من استكمالها واعتمدت الأم على أن ابنتها بدأت تستوعب إشاراتها في التعاملات اليومية. كأنهما خلقتا لغة خاصة بينهما تعويضا عن نقص الإمكانيات المادية والسمع معا.
كل دخل هذه الأسرة لا يتخطى 1100 جنيه بخلاف مساعدة والد البنتين بـ500 جنيه شهريا فقط: لولا تبرعات أهل الخير للمدارس أو مراكز التأهيل فبناتنا ما تتعلمش أو تتعالج.
تدرس الأخت الصغرى لـ”ريتاج” في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة خاصة مع زملائها ممن يعانون إعاقات مختلفة.
وهنا تخاطب الأم الدولة المصرية بتخصيص مراكز تقدم جلسات تخاطب بأسعار مخفضة وتتحمل تكاليف قطع الغيار نظرا باهظة الثمن. خاصة أن المؤسسات الخيرية لا تدعم هذا النوع من التكاليف باستمرار لعدم تبرع المواطنين لها.
آدم لا يسمعنا
أميرة حمدي -أم آدم- تحكي معاناة أخرى على طريق الصمم وأزمات التخاطب بعد زراعة قوقعة بأذني صغيرها: “لحد دلوقتي مابيتكلمش وعمره بقى 4 سنين”. تضيف الأم -ابنة الإسكندرية لـ”مصر 360″: “آدم اتولد بضعف سمع وزرعنا له قوقعة في سن العامين و7 أشهر لكنه لم يكن يستوعب إشاراتي بصورة كاملة. فلجأنا لجلسات التخاطب بعد عملية زرع القوقعة بشهرين تقريبا”.
ورغم مرور فترة طويلة على الجلسات فإن “آدم” لا يزال لا يعرف معنى لإشارات التخاطب. لكن إشارات أمه فقط هي اللغة الأوضح بالنسبة له فيتعامل معها ويفهم حركاتها. لكن الأم تنتظر فعل الوقت أن تؤتي جلسات التخاطب ثمارها.
قراءة الشفاه أسهل
إخصائية التخاطب الدكتورة أميرة إبراهيم تفسر عدم تواصل بعض المصابين بالصمم مع ذويهم رغم حصولهم على جلسات تخاطب بقولها إن غالبية الأطفال يستسهلن قراءة الشفاه عن التفاعل مع جلسات التخاطب. ونصحت الأمهات بأن يتابعن أطفالهن مبكرًا. حيث إن التدخل المبكر مع أزمة الصمم يحقق نتائج أفضل في حالات كثيرة.
وأوضحت الدكتورة أميرة أن غالبية حالات الصمم ترجع لعوامل وراثية. وتابعت أن على الأم أن تصبر على جلسات التخاطب وتتابع طفلها خلالها بعناية. لأن كل تقدم يجب أن تتم دراسته ورصده بدقة من أجل تحقيق نتائج أفضل لطفلها المصاب بالصمم.
الدكتورة مي فتحي -إخصائية التخاطب بمستشفى المنصورة الدولي- تقول لـ”مصر 360″ إن “حالات الضعف السمعي الشديد والصمم لن يستفيدوا من السماعة. هم فقط يحتاجون لزراعة قوقعة نظرا لوجود مشكلة بالشعيرات الدقيقة تجعلها لا تلتقط الأصوات. لذا يتم زراعة القوقعة لترسل الإشارات الكهربائية للعصب السمعي”.
وتضيف: “بعض الحالات بعد زراعة القوقعة سواء على نفقتها أو نفقة التأمين لا تذهب للمتابعة الطبية على يد أطباء تخاطب رغم أهمية الأمر. حيث يذهب بعضهم لإخصائيي تخاطب بمراكز خاصة لم يتم تدريبهم تحت إشراف طبي.
الدكتورة مي فتحيوتوضح الدكتورة مي إن بعض الحالات قد تستمر مع إخصائي التخاطب ولا يستجيب الطفل لأسباب منها “التدريب الخاطئ أو الاعتماد على قراءة الشفاه أو وجود مشكلة بالجهاز وحاجته للبرمجة”. فضلا عن فشل القوقعة نتيجة تعرضها لصدمة وعدم عملها.
عيوب متابعة وبرمجة
وتابعت أن الأمر ذاته يتكرر مع الحالات التي تجري الزرع على نفقة التأمين الصحي. حيث قد لا ينتظم البعض على المتابعة الطبية. خاصة من يأتون من أماكن بعيدة. ففقد التقيت بشقيقين توأمين بعد زراعتهما قوقعة قبل 5 سنوات لكنهما لم ينطقا بعد. ونظرا لبعد المسافة بين إقامتهما ومكان زرع القوقعة لم تتابع والدتهما واكتشفت طبيبة السمعيات الأمر بعد توجههما إليها.
وتشدد على أهمية برمجة جهاز القوقعة التي قد لا تكون منضبطة لعدم المتابعة مع طبيب تخاطب: “نحن كأطباء معنيون بهذا الأمر وقادرون على اكتشاف إذا ما تمت برمجة القوقعة بطريقة سليمة أم لا”. مشيرة إلى أن بعض الحالات تقوم بزراعة القوقعة بعد اكتساب لغة قبل ضعف السمع. وهؤلاء عملية البرمجة تكون سهلة عليهم لأنهم بالأساس لديهم لغة. أما من ليس لديهم حصيلة لغوية يحتاجون إلى فترة تدريب على مهارات التخاطب. حيث يفترض أن تحضر الأم مع طفلها الجلسات وتتابع معه في المنزل. فممارسة الكلام أمر أساسي. مشددة على أهمية التواصل بين طبيب السمعيات والتخاطب خلال مرحلة البرمجة.
 وأوضحت أن مدة جلسات التخاطب ونتائجها تحددها عوامل كـ”زمن الإصابة ودرجة ضعف السمع وسببها وعمر الحالة واستخدام السماعة سابقا من عدمه. مضيفة: “الأطفال المولودين بصمم كامل وقاموا بالزرع بعد سن سبع سنوات يحتاجون إلى فترة أطول في التدريب والتخاطب”.
سماعات أذنإحصائيات عالمية مرعبة عن الصمم
وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية عام 2021 يُتوقع بحلول 2050 أن يعاني نحو 2.5 مليار شخص من درجة ما من فقدان السمع. وأن يحتاج ما لا يقل عن 700 مليون شخص إلى خدمات التأهيل الخاصة بالسمع.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن هناك أكثر من مليار شاب معرض لمخاطر فقدان السمع الدائم الذي يمكن تجنبه بسبب ممارسات الاستماع غير المأمونة.
كما يحتاج أكثر من 5٪ من سكان العالم –أي 430 مليون شخص– إلى التأهيل لمعالجة فقدان السمع “المسبب للإعاقة” -432 مليون بالغ و34 مليون طفل. فيما تشير التقديرات إلى أنه بحلول 2050 سيعاني واحد من كل عشرة أشخاص من فقدان السمع.
ويشير مصطلح “فقدان السمع المسبب للإعاقة” إلى فقدان السمع بمقدار يزيد على 35 ديسيبل في الأذن الأقوى سمعًا.
ويعيش نحو 80٪ من الأشخاص المصابين بفقدان السمع المسبب للإعاقة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويزداد معدل انتشاره مع تقدم السن. فيما يعاني أكثر من 25% ممن تتجاوز أعمارهم 60 عامًا فقدان السمع المسبب للإعاقة.
ووفقا  لإحصاءات الاتحاد العالمي للصم يوجد 72 مليون أصم في كل أنحاء العالم. يعيش 80% منهم في البلدان النامية ويستخدمون أكثر من 300 لغة إشارة.
الضجيج وأسباب وراثية
فقدان السمعوفسرت المنظمة أسباب فقدان السمع بمراحل عدة. منها ما قبل الولادة وأخرى وراثية تشمل فقدان السمع الوراثي وغير الوراثي.
كذلك منها الالتهابات داخل الرحم مثل الحصبة الألمانية وعدوى الفيروس المضخم للخلايا والفترة المحيطة بالولادة والاختناق الولادي -نقص الأكسجين وقت الولادة- فضلا عن فرط بيليروبين الدم “اليرقان الشديد في الفترة التالية للولادة” وانخفاض الوزن عند الميلاد. بجانب حالات مرضية أخرى في الفترة المحيطة بالولادة وتدبيرها العلاجي.
أما عن أسباب ضعف السمع خلال فترة الطفولة والمراهقة فسرتها المنظمة بالتهابات الأذن المزمنة -التهاب الأذن الوسطى القيحي المزمن- وتجمّع السوائل في الأذن والتهاب الأذن الوسطى اللا قيحي المزمن. فضلا عن التهاب السحايا وحالات العدوى الأخرى.
أسباب أخرى قد تسبب الإصابة بفقد السمع كـ”التدخين وصلب الأذن والتدهور الحسي العصبي المرتبط بتقدم السن وفقدان السمع الحسي العصبي المفاجئ.
أما العوامل المستمرة طوال العمر فتتمثل في الآتي:
“انحشار شمع الأذن ورضخ الأذن أو الرأس والضوضاء الصاخبة والأدوية السامة للأذن والمواد الكيميائية السامة للأذن ونقص التغذية والعدوى الفيروسية”. فضلا عن فقدان السمع الوراثي متأخر البدء أو المترقي.
وقد أطلقت المبادرة الرئاسية للكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع لدى الأطفال حديثي الولادة في سبتمبر 2019. وذلك تحت شعار “100 مليون صحة”. حيث تهدف للاكتشاف المبكر لضعف أو فقدان السمع لدى الأطفال لتجنب إصابتهم بالإعاقة السمعية وتسهيل فرص علاجهم.
ويتم فحص الأطفال منذ اليوم الأول للولادة حتى سن 28 يوما. وعليه تم إجراء المسح السمعي لـ2 مليون و281 ألفًا و793 طفلا حديث الولادة منذ انطلاق المبادرة. كما تم إجراء مسح سمعي لـ6 آلاف و470 طفلا من غير المصريين المقيمين على أرض مصر ضمن المبادرة. كما تم إجراء مسح 2 مليون و650 ألفًا و225 طفلًا من حديثي الولادة منذ انطلاق المبادرة حتى 23-2-2022.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version